هذه مقتطفات من تجربة عشتها بعمق السنتين الماضيتين و مازلت أعيشها حتى الان , قبل سنتين لم أكن أهتم كثيرا عندما أعلم أن الكاتب و المفكر مصطفى محمود اتهم بالالحاد (أو كان ملحدا ) ثم عاد الى الأسلام , أو لم أنتبه كثيرا عندما سمعت أن الكاتب الفرنسى روجير جارودى اعتنق الاسلام . كنت دائما اتصور الاخر – ايا كانت ديانته – على انه كيان صلب لايتبدل و لا يتغير كما هو الحال لدى فأنا مسلم على النهج الذى خطه والدىّ حتى الممات و لن اتبدل أو أتغير , غير أن القدر أراد أن تكون علاقتى بالأخر (و هنا اعنى مسيحىّ مصر ) على درجة طيبة كنت أرفض ( وان كان هذا بشكل غير علنى) كل الاشارات لهم بألفاظ معينة أو التضييق عليهم بشكل أو باخر من جانب المسلمين (الذين خلال سنوات عمرى لا يتعدوا فئات زملاء المدرسة و الجامعة و الجيران) و لكن هذا لم يمنعنى من الخوض فى جدل حول الدين معهم أو حتى الشجار و لكن عندما أقارن معاملاتى مع غير المسلمين بالمسلمين أجد ان لم يكونوا متطابقين فالمعاملة مع غير المسلمين قد تكون افضل .بدأت التجربة عندما قررت أن أقرأ كتاب "حوار مع صديقى الملحد" للدكتور مصطفى محمود , و بعد الانتهاء من قراءته انفجر ينبوع من الأسئلة حول الدين على عمومه و تأججت التساؤلات عندما تشابه حوار مصطفى محمود مع ظله الملحد مع حوارمسلم - ملحد اخر بين صديق لى مع زميل انجليزى له . فقررت أن أمسك بطرف الخيط و أتساءل و أكتشف ماهية ما اؤمن به فقرأت فى السيرة النبوية و كتب مختلفة فى الفقه و الشريعة و العقيدة من كافة الاتجاهات , و كان من امتع التحليلات و التفسيرات للعقيدة الاسلامية كان من جانب الشيوخ الغربيين الذين اعتنقوا الاسلام مثل حمزة يوسف و عبد الحكيم مراد , و الذين جاءوا من خلفيات مختلفة كلية عن خلفيتى الثقافية بل و الدينية قبل اسلامهم فاستطاعوا ان ينظروا للاسلام نطرة شاملة (خارج الصندوق على حسب التعبير) , فيشرحون الاسلام لى كأن لم أكن اعلم شيئا عنه من ذى قبل .
تكونت لدى رغبة جارفة للتعرف على أشخاص أعتنقوا الأسلام , للأسف المجال فى مصر ضيق جدا حيث أنهم يفضلون الابتعاد عن الاضواء كما أن الاقدام على هذا كان سيعرضنى لمشاكل جسيمة مع النظام المصرى السابق و بالأخص جهاز أمن الدولة , فكانت وسيلتى البديلة هى صفحات الفيس بوك التى تحتوى على مجموعات من معتنقى الاسلام من كافة دول العالم , تعرفت على كثير منهم غالبيتهم من السيدات من كافة الفئات العمرية (10 حتى 70 +) و قليل من الرجال . قصصهم عن دخولهم الاسلام كانت شيقة بالنسبة لى لدرجة اننى كنت اهمل اشياء كثيرة فى سبيل التعرف على المزيد من التجارب , كثرة الحديث معهم جعلتنى اهتم جدا بكل تساؤلاتهم حول بعض المسائل حول العقيدة و العبادات و المعاملات مما دفعنى للتعمق اكثر فى دراسة العقيدة و الاحكام .
من كثرة تعاملى مع معتنقى الاسلام من الغربيين جعلتنى احتك بغير المسلمين سواء عن طريق الرد على مفاهيم مغلوطة عن الاسلام أو تساؤلات عادية وكان أفضل ما فى هذه الحوارات هو الحوار التكاملى مع عناصر دينية اخرى (مسيحية – يهودية – ملحدة الخ ) و الذى ادى – بفضل الله- الى اقتناع البعض باجاباتى حول الاسلام فتباينت ردود فعلهم بين الوعد بدراسة متعمقة اكثر للاسلام اوحتى السكوت عن ترديد ما يقال عن الاسلام بانه دين عنف و قهر الى اخر ما يتردد فى وسائل الاعلام الغربية , و منهم من أسلم فيما بعد بفضل الله .
من الملاحظات الغريبة فى محاواراتى مع معتنقى الاسلام انهم لم يذموا او يلعنوا دياناتهم السابقة لأنها حسب قولهم كانت جزء من التجربة و لولا ما كانوا عليه ما استطاعوا ان يكتشفوا جمال دين الاسلام و الذى اكد لدى ما يقولونه هو تعرفى على بعض من تركوا الاسلام الى المسيحية او الالحاد بسبب عدم تقبلهم لبعض الممارسات التعصبية باسم الاسلام و ليس بسبب جوهر العقيدة الاسلامية نفسها عكس من اعتنقوا الاسلام لعدم اقتناعهم بجوهر العقيدة (غالبا المسيحية او الالحاد حيث اليهودية هى الاكثر تطابقا فى جوهر العقيدة و الاشد اختلافا فى الشريعة) . و من اجمل ما سمعت من أحد الأصدقاء انها قبل ان تعتنق الاسلام بنطق الشهادة ذهبت كعادتها كل أحد الى الكنيسة لتستشيرأسقف كنيستها فى قرار اسلامها فشجعها على قرارها و دعاها لمواصلة زيارة الكنيسة لتتواصل مع أصدقاءها فلبت دعوته وكانت تحكى لى انها كلما ذهبت كانت تدعو و تبتهل الى الله داخل الكنيسة بدون تحرج .
مرادى من كتابة هذه التجربة فى ظل التوتر الطائفى الذى نشهده فى مصر- و الكلام موجه للمسلمين أولا ثم للمسيحيين – أن نغير النظر للاخر و أن نحسن الظن دائما حتى نتبين تماما من صحة حسن ظننا أو عدمها , أن نضع الاسلام و الدعوة الى الله بالحكمة و الموعظة الحسنة كقاعدة أساسية فى كل تعاملاتنا , ان كان هناك تجاوز من اى طرف علينا ان نسعى جاهدين لابرزه و اثباته قبل اتخاذ اى موقف , ان نستغل هذه التجارب حتى لا نقع فى نفس الاخطاء , أن نواجه نواقصنا بشجاعة و نحاول ان نكملها و ليس ان نغطى عليها .
ما يحدث فى مصر الان هو نتاج تراكمات نقص التواصل بين الموسسات الدينية المختلفة سواء بين اصحاب الدين الواحد كالأزهريين و السلفيين أو بين المسلمين و المسيحيين , و لا حل لها سوى حوار عملى بين كل الانتماءات العقائدية . فى اعتقادى و ما قد لمسته فعليا ان المصريين مسلمين أو مسيحيين اندماجهم كشعب واحد قوى جدا كقوة انتماءهم لدينهم , ما ينقصنا هو وضع مصلحتنا المشتركة قبل اى شئ و لن يضمن هذا سوى الانتماء الملتزم لديننا سواء كنا مسلمين أو مسيحيين .